تزدحم الأسئلة في نهاية عامٍ لبنانيّ اعتدنا فيه على كلّ شيء: على الدولار الذي صعد وهبط ثمّ استقرّ. على اللا رئيس. على الهزّات التي أرعبت اللبنانيّين ذات ليلة، ثمّ أصبحت مادةً للسخرية. على دولرة الأسعار، بينما بعض الرواتب بالليرة. وعلى الحرب التي تدور على مساحةٍ من هذا الوطن، كشبحٍ نخشى دخوله علينا في أيّ وقت.
في طليعة الأسئلة اللبنانيّة: "في رئيس بالـ ٢٠٢٤؟". يعجز أحدنا، نحن الذي نغطس بالسياسة وكواليسها يوميّاً، عن الإجابة. فالبلد يواجه الضغوط لتطبيق القرار ١٧٠١، وتأمين منطقة معزولة على الحدود الجنوبيّة، وهو ما يرفضه حزب الله. لن يُنتخب رئيسٌ في هكذا لحظةٍ إقليميّة لا يعرف أحدٌ الى متى ستستمرّ.
ولكن، ما منح مناخاً من التفاؤل بإمكان حصول خرقٍ في الملف الرئاسي، هو "الديل" الذي أدّى الى التمديد لقائد الجيش، ومعه رؤساء الأجهزة الأمنيّة الأخرى، ما اعتبره كثيرون "بروفا" لما يمكن أن يحصل رئاسيّاً، سواء عبر اتفاقٍ على اسم العماد جوزيف عون أو على اسمٍ آخر يحمل مواصفات قريبة منه: مقبول سعوديّاً وأميركيّاً، لا يستفزّ حزب الله، لا ينتمي الى محور الممانعة، يمنح الثقة بإمكان النهوض، خصوصاً على الصعيد المالي. إنّه الخيار الثالث الذي تحدّث عنه جان ايف لودريان في زيارته الأخيرة الى بيروت.
ولا نغفل هنا الدور الذي تقوم به بكركي، في السرّ والعلن، وما يمارسه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من ضغوطاتٍ فعلت فعلها في ملف التمديد، وقد تفعل فعلها أيضاً في الملف الرئاسي.
ليس التمديد، الذي استقرّ في المجلس النيابي، الخرق الوحيد للمشهد المتأزّم في الفصل الأخير من العام. يمكننا هنا أن نتحدّث أيضاً عن الموازنة الكارثيّة التي أرسلتها الحكومة الى مجلس النواب، ثمّ سقطت في "فرّامة" لجنة المال والموازنة التي تعمل على هندستها من جديد لكي تصبح مقبولة قدر الإمكان. ونقول "قدر الإمكان" لأنّه يستحيل إنجاز موازنة من دون خطّة نهوض تتطلّب، بدايةً، إعادة تشكيل السلطة مع انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة جديدة.
فما قامت به لجنة المال والموازنة التي يرأسها، للصدفة، نائبٌ ماروني طُرح اسمه رئاسيّاً أيضاً، وهو نال إشادةً من قوى الإنتاج كلّها، من عمالٍ وأرباب عمل، كما من الخبراء الماليّين المتحرّرين من الحسابات الشخصيّة و، خصوصاً، من الأحقاد.
كذلك، استدعت الموازنة، والأمر يُسجَّل أيضاً لرئيس اللجنة، استنفاراً لدى الكثير من القوى السياسيّة التي باتت معنيّة بمنع صدورها كما وردت من الحكومة، ما يفسّر خيار رئيس القوات اللبنانيّة المشاركة في الجلسة التي ستُخصّص لإقرارها.
خرقان إذاً تابعتهما عن قربٍ جهات دبلوماسيّة غربيّة، وشكّلا حجر زاوية في التفاؤل الرئاسي الذي يمكن أن يرتفع منسوبه في الشهر الثالث من العام المقبل، خصوصاً إذا مرّ "قطوع" الحرب، وعاودت اللجنة الخماسيّة حركتها.
وإذا سلك التفاؤل طريقه، فإنّ دائرة الأسماء المرشّحة للإقامة في القصر الشاغر في بعبدا لن تتجاوز، عند الجَدّ، عدد أصابع اليد الواحدة. ينتظر الأمر اللحظة الإقليميّة الملائمة التي تجعل الداخل تفصيلاً…